تداعت أمام عينها أعمدة بيت الزوجية الذي شيدته بعمرها، ضاعت سنوات المودة والرحمة في لحظة حلف فيها زوجها بـ الطلاق ليهددها بقطع ميثاق غليظ حرصت على رعايته بكل ما تستطيع.. تساءلت بإندهاش وحسرة:
هل يمكن هدم كل ما بُني في لحظة؟ هل يمكن محو سطور الماضي بمجرد كلمة؟ ولماذا يحلف الأزواج بالطلاق ويهددون حياة كاملة بالموت في برهة من ضعفهم؟
* تقول أ. م: بعد ثلاث سنوات من زواج مبني على المودة والإحترام المتبادل التزمت فيه أنا وزوجي بكظم الغيظ والتحلي بالصبر في لحظات الخلاف لتفويت الفرصة على الشيطان لإفساد حياتنا، فوجئت بزوجي في إحدى الخلافات يطلق للسانه العنان ليحلف بالطلاق ويهددني به إذا فعلت أشياء معينة رافضا أي تفاهم أو تفاوض.. فإنهارت الدنيا أمام عيني بسبب كلمة الطلاق التي أكلت معها كل الأخضر واليابس من حياتنا الجميلة وشعرت بالفزع من كلماته التي هددت حياتي معه.
* وتقول ع. ع: لقد مللت من كثر حلف زوجي بالطلاق، تلك الكلمة التي يهددني بها كلما شب بيننا خلاف، لأعود بعدها أسأل الشيوخ عن كل حالة وأسأل زوجي عن نيته حين قالها وأدخل في دوامة لا تنتهي من الشك والقلق لأطمئن على صحة زواجنا وعن وضعي هل أنا مطلقة أم ما زلت زوجة وأفكر في مصيري أنا وأولادي وشكل الحياة مع كل إحتمال.
* أما "س. ن" فتقول: حذرت زوجي مرارا وتكرارا من الحلف بالطلاق بعد أن رأيت وسمعت عن مآسي وخراب كثير من البيوت بسبب هذا الحلف، وكان أحيانا يستجيب وأحيانا يسوقه الغضب للحلف به ليضعني بعدها في نفس الحالة السيئة التي أتجنب الوقوع فيها، ولكني أتحاشى فعل ما يحلف به خشية ضياع حياتي الزوجية بسبب كلمة يقولها في لحظة غضب.
¤ ضـــعف:
وتقول الدكتورة سامية خضر صالح أستاذة علم الإجتماع بجامعة عين شمس إن الزوجة تشعر بالخوف وعدم الأمان من زوجها الذى يحلف كثيرًا بالطلاق، كما أن أطفاله يتعلمون منه تلك العادة ويتوارثوها، بدون إدراك لخطورة الحلف بالطلاق وتحريمها، فهي عادة ذميمة مرتبطة بثقافة بعض الرجال لإرهاب زوجاتهم وهي تعبر في الحقيقة عن ضعف لدى الرجل.
¤ ســــفاهة:
وعن الرجل كثير الحلف بالطلاق يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم، هؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه البخاري 2679، فإذا أرد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل، ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من الحلف لقوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]، ومن جملة ما فسرت به الآية أن المعنى: لا تكثروا الحلف بالله، أمّا أن يحلفوا بالطلاق مثل: عليّ الطلاق أن تفعل كذا، أو عليّ الطلاق ألا تفعل، أو إن فعلت فامرأتي طالق، أو إن لم تفعل فامرأتي طالق وما أشبه ذلك من الصيغ، فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -انتهى من فتاوى المرأة المسلمة2/753.
وعن الموقف الشرعي، فإن قول الرجل لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن لم تفعلي فأنت طالق، هو من الطلاق المعلق على شرط، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع هذا الطلاق عند حصول الشرط.
والصحيح -وهو إختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم- أن هذا التعليق فيه تفصيل، ويرجع إلى نية القائل، فإن قصد ما يقصد باليمين وهو الحث على فعل شيء، أو المنع من فعل شيء، أو التصديق أو التكذيب، فإن هذا حكمه حكم اليمين، ولا يقع به طلاق، ويلزمه كفارة يمين عند الحنث.
وإن قصد بذلك وقوع الطلاق، طلقت زوجته عند حصول الشرط طلقة واحدة، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية.
¤ غير جـــائز:
كما يقول الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل إنه قد نهى الله عن كثرة الحلف وأمر بحفظ الأيمان، ولا يجوز الحلف بغير الله، ومن حلف بطلاق، أو تحريم فحنث، فإن كان حالفاً بالطلاق وقع الطلاق الذي حلف عليه، على المشهور من المذهب، وإن كان حلفه للتحريم فالصواب أن كفارته كفارة يمين وهو عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام، كما ذكر الله في كتابه.
تحقيق: أميرة زكي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.